السبت، 11 يوليو 2009

أياصوفيا بين محمد الفاتح و أتاتورك.







كنت قد كتبت هذا المقال سابقاً..و لأننى بصوره خاصه أهتم بهذا الموضوع فقد رأيت إعادة نشره عبر النوت حيث لم يطالعه إلا القليل عند نشره لأول مره.



في العام 2007 وافقت اليونان على مضض وبعد سلسلة من القضايا على بناء مسجد في أثينا، سألت نفسي لِمَ ترفض وكل عاصمة بالعالم بها مسجد؟ كانت الإجابة هي كله واحدة.. أياصوفيا.
في حياةِ الشعوبِ دوماً نجد أماكن في القلب يقفوا عندها، في فرنسا نجد الماضي في بقايا الباستيل والحاضر في إيفل، في مصر نرى الماضي يتكلم عن نفسه في الأهرامات والحاضر ماثل في عمائر القاهرة الحديثة، في إيطاليا يقف بيزا منحنيا كالماضي الزائل ونرى علامات العصر في منجزات الجمهورية، وفي تركيا نرى حالةً فريدة... إن الماضي البعيد والماضي القريب والحاضر وملامح المستقبل متجمعة في بناءٍ واحد... أياصوفيا. تبدأ القصة مع أيا صوفيا بفكرة.. كانت هناك كنيسة عظيمة الشأن والحجم بناها الإمبراطور قسطنطين العظيم وجعلها كنيسة يفاخر بها المذهب المسيحي الغربي الذي كانت العداوة بينه وبين المذهب الشرقي الذي يتبعه مستحكمه ولسوء الحظ فقد وقعت أحداث هائلة في بلاده وتمرد شعبي أدى لحرق العديد من بقاع القسطنطينية وكانت الكنيسة القديمة إحدى ضحاياها، مضى الإمبراطور العظيم وجاء إمبراطور آخر هو الإمبراطور جستنيان، كان جستنيان واعياً لأهمية الكنائس السياسية خاصةً مع تزايد دور ونفوذ باباوات أوروبا من مذهبه المعادي مستندين على نظام الدولة الدينية بالغرب الأوروبي وجاعلين الدين وسيلة فرض الهيمنة على الشعوب. هنا شرع جستنيان في بناء الكنيسة التي كانت على أفضل الطرز المعروفة حينها وقد قُدرت فترة البناء من 4 الى 5 سنوات حتى تم الإفتتاح في العام 537 من الميلاد، لم يكن الإمبراطور معجباً بالكنيسة فقط بل جعلها آيه من آيات الرب وكانت تستحق.. ومازالت، إسمها كان (أيا صوفيا) بمعنى الحكمة الإلهية. تمر السنوات وتضاف الى الكنيسة من كل بقعة هدية وإهداء من الشعب المسيحي المدين بالمسيحية الشرقية كل عام وكل عيد يضاف لها وكل أباطرة البلاد المسيحية شرقاً وغرباً يضيفون لها حتى مع الزلزال العظيم 547 من الميلاد تم إعادة ترميم الكنيسة لتصير أقوى وتبقى دوماً وأضيف اليها حينها قبة ضخمة عوضاً عن التي تضررت فيه، ومرت القرون وأياصوفيا كنيسة وكاتدرائية مقدسة في أراضي الدولة الرومانية، ومع العام 1450 شعر الإمبراطور قسطنطين بالخطر عليها إذ باتت في حاجة لترميم عاجل من خبير وحينها كان من بين الجمع في العالم أحدهم من المهندسين الأفضل وهو (علي نجار) الذي كان عثمانياً بإمتياز. أرسل في العام هذا قسطنطين الى محمد الثاني ليرجو منه ان يرسل مهندسه لترميم الكنيسة وبالفعل توجه علي الى الكنيسة حيث رممها وقبل أن يغادر قام بعملٍ عجيب. قام النجار بوضع سلم من الرخام عالى الإرتفاع الى سقف القبة من الداخل مبرراً هذا بأن القبة بذلك الشكل يصير من السهل الوصول اليها، وعاد من فوره الى السلطان محمد الثاني حيث خبره بما يلي: (إني أيها السلطان قد أتممت ما أمرتني به، وجعلت هناك درجاً الى حيث القبة لكنها ليست لها بل إنها درج المنبر حيث أراه فالترميم مني والفتح لك بإذن الله).. هنا كانت الطامة. من الأحاديث النبوية حديث يذكر: (لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش) من هذا الحديث حاول الكثير من الخلفاء عير الخلافات الثلاث المتتالية أن يصيروا هم هذا الأمير وجنوده ذلك الجيش حيث حاصرها معاوية بن أبي سفيان بن حرب في 34 من الهجرة في إمامة عثمان بن عفان وكذلك حاصرها اليزيد بن معاوية (من سخرية الأقدار أن هذا اليزيد يحاول أن يكون صاحب البشارة وهذا مضحك مبكي) وكان هذا في عهد أباه معاوية 47 من الهجرة كذلك وحاصرها الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري في خلافة معاوية عام 57 من الهجرة حيث إستشهد هناك وعثر على قبره محمد الفاتح كما سيلي وتتالى عليها عبد الملك بن مروان وعمر بن عبد العزيز وهارون الرشيد دون ان يتم الأمر. في العام 1453 قام محمد الفاتح بالبدء في المر فحاصر المدينة ب250000 من الجنود وحاصرها بحراً وكان من مساعيه أن إستقدم من المجر مهندس حربي يدعى أوربان وشيد له العديد من المدافع العملاقة لضرب القسطنطينية (تذكر بعض المراجع كونه أسلم وسمي بعثمان وتذكر مراجع أخرى أنه ظل مسيحياً وكان عثمان هو مهندس عثماني شاركه في الأمر) وأثناء الحصار تم كشف مكان قبر الشهيد الصحابي أبي أيوب الأنصاري، هنا كان قسطنطين مصدوماً من هول ما يرى فأرسل لأوروبا يطلبها النجدة فسارعت جنوه (وكانت دره الأساطيل بها) وأرسلت له أسطول أغرق أسطول العثمانيين وخل القسطنطينية ووضع وراءه سلاسل من حديد حتى تنهي الأمر وتمنع العثمانيين من الدخول، لكن عقلية محمد الثاني كانت متميزة فمهد الطريق براً ونقل السفن عليه!!! كانت المعركة فيما بعد محسومة ومع محاولات قسطنطين أن يراضي محمد الثاني ليعود إلا انه رفض وعرض عليه المن وتوليه ولاية أخرى إلا أنه بدافع واجبه رفض عرض محمد الثاني ومع الهجوم سقطت القسطنطينية تحت وطأة المدافع (يذكر هنا أن أحد المدافع إنفجرت وقتلت المهندس عثمان) وفي 1/6/1453 كان محمد الثاني يدخل القسطنطينية ويمنع أعمال السلب التي مارسها بعض من جنوده فيها. هنا نأتي لبيت القصيد..أياصوفيا. أصدر محمد الفاتح (لقبوه بها بعد الفتح) أوامره بتحويل أياصوفيا الى مسجد بدلاً من كونها كنيسة وتحويل نصف كنائس القسطنطينية الأخرى لمساجد وبرر ذلك بسببين: -1- ان الأسبان حرقوا الأندلس وجعلوا مساجدها كنائس فهذا رد من جنس العمل. -2- هذا رمز للإنتصار ليكون درساً بعدم المقاومة والصلح. ولي هنا تعليق فليس من المعقول أن نقبل تحويل وسرقة كنيسة لتصير مسجد تحت أي مسمى فمن غير المعقول رد جريمة بجريمة خاصةً مع وجود أوامر محددة من الرسول بالنهي عن هذا الفعل بالتحديد، ثانياً ليس هذا الدرس الناسب للغرب بالعكس سيستميتون دفاعاً عن دينهم لما رأوه بأياصوفيا في حين كانت الفتوحات سابقاً يسيرة لعلم أهل البلاد بسماحة الإسلام!!! وهنا تذكر بعض المراجع معلومة أراها في إجتهادي عجيبة بدرجة تجعلها منفية الصدق إذ تقول المراجع ان الفاتح إشتراها بماله.. وهنا لي ثلاث تعليقات:



-1- ليس من المعقول ان يبيع أحد كنيسة مقدسة فهي على غرار من باع الأقصى لليهود!!



-2- ليس من الطبيعي أن تكون إرادة البيع (لو فرضنا جدلاً حدوثه) كاملة لأن هناك غازي إحتل البلاد والسيف على الرقاب، وكذلك أن البطريرك قد إختفى وساد إعتقاد (مازال سائد الى اليوم) أنه سيعود ومعه الأيقونات المقدسة بعد خروج المسلمين من البلاد فهل هذا قول شخص باع؟؟



-3- لو سلمنا جدلاً أن البيع تم.. فما حال نصف كنائس البلاد هي الأخرى هل إشتروها أيضاً؟؟



في إجتهادي ان هذا من محاولات البعض أن يحسن سيرة الفاتح (وهي سيرة عطرة مليئه بالجهاد والفتح وإعلاء إسم الله) وان يمحو عار تحويل الكاتدرائية لمسجد. تمر السنوات بالبلاد وأيقونة العثمانيين باقية وتمر الخلافة بالضعف كغيرها من إمبراطوريات الشرق والغرب، وظلت أياصوفيا كما هي رمز لدخول الدين الى البلاد ورمز للعثمانيين أيضا.. الى أن حدث ما لم يكن على البال ولم يخطر على بال الفاتح وهو يدخل المدينة...



مصطفى كمال أتاتورك. جاء العام 1919 فارقاً في حياة تركيا فالغرب وعلى رأسه اليونان وإيطاليا إحتلوا أجزاء من تركيا قلب الدولة العثمانية والجيش إستسلم والخليفة أمر بإلقاء السلاح والعودة. هنا ظهر من جديد قائد عسكري ذائع الصيت يسمى مصطفى علي رضا ويلقب بمكال لنبوغه، كون مصطفى علي رضا جيش من الأتراك وحارب الإيطاليين واليونانيين حتى حرر في العام 1922 تركيا الحديثة بالكامل وحقق السيادة الوطنية عليها وفي العام 1923 وفي لوزان وقع معاهدة صلح مع الغرب حيث قضت المعاهدة ببناء دولة تركية حديثة تتحالف مع الغرب ولا تعاديه وتسالم كل الجيران وغيرها من النقاط التي تضمن أن تصير الدولة الناشئة بعيدة عن الشرق ومتحالفة مع الغرب (كانت الشروك بالكامل وعلى رأسها تطبيق نظام علماني وقومي من أول رغبات أتاتورك حيث تتفق مع رأيه الخاص ومرجعيته الفكرية) وفي العام 1924 تم إعلان قيام الجمهورية التركية والغاء الخلافة العثمانية.. كان أتاتورك دموياً فيما يخص بلاده فأي مهدد للنظام الحديث أو مطالب بالعودة للنظام القديم يكون عدو ينفى او يسجن أو يقتل وكانت ثورة الأكراد (بسبب الغاء الهوية الكردية مع فكر القومية التركية) خير دليل إذ مات فيها من 700000 الى 1000000 منهم وكذلك ثورة النورسيين المطالبة بعودة الخلافة. مع العام 1930 حطم أتاتورك كل ما يهدد البلاد الحديثة وجعل كل البلاد في قبضة جيشه وفكره الخاص، ومع مجيء العام 1935 كان يريد اتمام الأمر و ازالة آخر بقايا العثمانيين وهنا قرر أتاتورك أن يحرر البلاد من آخر رموز العثمانيين. كانت أياصوفيا رمزاً لدخول العثمانيين للبلاد ورمزاً باقياً للدولة الخلافيه العثمانية مما شكل تحدياً لأتاتورك ومع إستتاب الأمر له كان قراره، وحتى أكون منصفاً أترك الحديث هنا لعصمت إينونو الذي خلف أتاتورك فيما بعد. يقول إينونو: ( كان أتاتورك في العام 1935 في قمة قوته حيث كان كل شيء ينبئ بأن تركيا الحديثة ستبقى وأن الخلافة إنتهت للأبد، وكانت أياصوفيا دوماً نموذج للعثمانيين مما شكل إشكالية لديه فهو لا يريد أثر لهم ونحن من حوله معه لكننا كنا أقل حماساً، قرر أتاتورك أن يعيد البناء ككنيسة كرد لإعتبار المسيحيين وكإعتذار للغرب وفي الواقع كان هدفه الكبر إن لم يكن الوحيد هو الغاء دليل وجود العثمانيين بالبلاد وبهذا يقضي على رمز وجودهم، التففنا حوله وحذرناه من تحويلها لكنيسة مما سينسف الأوضاع و قد يعيد ثورة النورسيين ثانيةً وبناء على ما قلنا قرر أن يجعلها متحفاً للدولة ولا يعيدها الى الكنس المسيحي وخاصةً بعد ان حدثه إيفيرين بأن البلاد ليس بها إلا 2.5 % مسيحيين والباقي مسلمين). هكذا صارت أياصوفيا من كنيسة وكاتدرائية مقدسة الى مسجد ثم متحف. أعتقد أن أتاتورك في واقع الامر كان مخطئاً فالكنيسة منذ قرون صارت مسجد ولا معنى لعودتها أو تغييرها، أتفق معه في خطأ تحويلها الى مسجد أصلاً لكن لو كنت مكانته لبنيت على نفقة الدولة كنيسة بنفس التصميم والحجم وفي قلب إسطنبول ودعوت كل الرؤوس الدينية بالشرق والغرب اليها وليكن هذا أبلغ إعتذار أما ما حدث فهو خطأ فادح. الآن عزيزي القارئ هل علمت لِمَ كانت اليونان المسيحية الشرقية المدنية العلمانية ترفض حتى وقت قريب بناء مسجد؟ الإجابة كلمة واحده.. أياصوفيا. الى اللقاء.



للمزيد حول اتاتورك و تركيا من تدوينى:















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق