السبت، 4 يوليو 2009

جمهورية الشيخ على


فى زياره سابقه لى لقريتنا الصغيره بجوار مركز أجا بالدقهليه ، كنت أتصور حينها أن القريه كما هى لا تتغير إلا بالعمائر التى تزيد و لا تتوقف عن التكاثر و الإنتشار بفعل رأس المال الناتج عن العمل بالخليج العربى لأبنائها..
و لكن ما وجدت هناك كان غريب حقاً و هو النصف الآخر من نتائج عمل المصريين بالخليج،فمن السهل أن تأتى بالمال من هناك و لكن هناك تلك الشوائب التى ستأتى مع البعض؛شوائب فكريه لا حدود لها تتعلق بكل المصريين و غير المصريين العملين هناك ،التطرف..الإنغلاق عن الزمن و العصر..الشعور بالتيه وسط أيامنا و الحنين للماضى بسحره و ملكوته الآخر..
يحتاج هذا لشئ يجعل الإنغلاق الفكرى و الإنقياد وراء رؤى التطرف الفكرى مستمراً،شئ من الداخل هو الشيخ على؛شخص يرسم نفس الرؤيه المتطرفه و لكن من داخل البلاد ليجعل الإنغلاق عقيده جديده تماثل الدين عندهم..
فى رائعة يوسف ادريس جمهورية فرحات نوذج فكرى مماثل لجمهورية الشيخ على التى بها يجعل ما التقطه الإخوه أثناء عملهم بالخليج مستمراً ، فرحات له تصوره عن الجريمه و الشرطه و كذلك أفعاله و هنا الشيخ على امام مسجد السنيين كذلك؛له تصوراته التى لا تنتهى و تتوافق تماماً مع ما تم زرعه من مبادئ الصحراء باسم الدين..أو لنقل باسم صحيح الدين..
عند هبوطى من السياره أمام المنزل لاحظت مسجد جديد يُبنى من بعيد و عندما ذهبت يومها للصلاه وجدت أن هذا المسجد مسجد جديد للسنيين..سألت عن معنى الإسم ووجدت أن المسجد الأول و هو المسجد الكبير لهم يؤمه الشيخ على و فى أوقات الإنشغال ابنه ذو السادسة عشر عاماً،فى يوم الجمعه توجهت الى المسجد التابع للشيخ على حتى أعرف من هو؟..كانت إحدى فتيات العائله قد أعربت لأختى عن دهشتها من وضعها لمساحيق تجميل و حرمة هذا..و كذلك ارتداء اختى لبنطلون و أن هذا حرام لتشبهه بالرجال،مع ملاحظة أن المتحدثه طالبه بكلية الطب!!..
كانت خطبة المسجد الحاشده أمام جموع الموجودين عن مفاسد العصر التى تشمل عدم الإقتداء بالرسول..و هى مفاسد متنوعه منها حسب حديثه عدم الصلاه دوماً بالمسجد..و ارتداء ملابس للفتيات من دور عرض يهوديه تهدف لتعريتهن..و مشاهدة التلفاز برمضان..و الإقتداء بالغرب و ترك سنة النى.
كان كلامه غير محدد عام عشوائى من الممكن تفسيره بأى شئ و بكل شئ..و شعرت بالغيظ من هذا الإسلوب،فهو بهذا يجعل من يصلى بالبيت متخلى عن جزء أساسى من دينه، و يجعل من ترتدى بنطلون منحله و يجعل الغير محجبه سيئة الخلق و مسألة الإقتداء بالغرب تشمل كل شئ بلا استثناء.
جلست معه بعد الصلاه و عرفته بنفسى،و ببعض الكلمات و القصص الغير حقيقه عن مواليد لدينا بالعائله علمت أن رأيه(و كانت الزياره وقت الجدل حول تجريم الختان) انه فريضه أساسيه..و ملابس النساء محددة الشكل و اللون..و أن مظاهر التشابه حرام(منها البنطلون)..و من هذه النقطه لسؤال عن الشيعه و بالطبع سماهم عباد اللات أزلام اليهود؟؟..تجاوزت هذه النقطه و انتقلت لسؤال حول عمل المرأه و كان رده أنه من أسباب المفاسد و الحرام ، مفضلاً عمل الرجل لمنع الإختلاط المحرم..فوجئت أنه يفتى بحرمة خروج الفتاه للكليه خارج القريه إلا بمحرم؟؟؟؟..تاعت الحديث معه و بالطبع لم أسأل عن الفن و غير ذلك حتى لا تكون النتيجه أن أخطئ فأسبه..كان رأيه دونى فى المرأه..كان رأيه مقيد لها..لتعليمها..لحريتها ، لكل ما نراه اليوم من حقوق لها.
سألته عن العمل السياسى و الدوله..الخ..الخ، كان رده غريب:
هل كانت هناك أحزاب أيام الرسول؟كيف توجد أحزاب تفرق الكلمه و تجمع المسلم و الكافر؟كيف نسمح بالآراء الغربيه بالحلول محل تعاليم الدين؟..بالطبع تفسير من لا يحيا فى زمننا هذا .
خرجت من الجامع سعياً للعوده الى الحضاره و بدأت ألاحظ الآتى:
*عدد المنتقبات(و هذا حقهن) يصل الى نصف النساء بالشوارع.
*لا توجد فتاه واحده من المحجبات ترتدى بنطلون؟؟؟.
*حديث سمعته من قريب لى تفاخر أن مسيحى إفتتح استديو عندهم فقاطعوه حتى رحل؟؟؟!! .
*القنوات الدينيه مهيمنه على مشاهدات الجميع..لامشكله لكن المصيبه ما يتلقوه منها..نفس الحديث السابق للشيخ على.
*أحد الشباب همس لى بأن ما أصنعه بشعر وجهى غير مستحب(سكسوكه)..و أنها تبدو تقليد لغير المسلمين.
*تحدثت عن العلمانيه و كان التعليق من كل من تحدثت معهم(محامى و ثلاث أطباء) أنها الحاد و كفر..أخبرونى كيف الحاد و كفر معاً؟؟؟؟
* عند سؤالى لطالبة الأزهر عن سبب انتقائهم لفتاوى منذ زمن سحيق صنفت لى الأزمان على أنها أنواع أفضلها الأكثر قدماً على اعتبار أنه أقرب للنبى..و كأنما الدين يضعف من بعده بفعل الزمان..و كأنما لا شئ اسمه اجتهاد .
* رأيت عشرات الكتب هنا و هناك من المملكه العربيه السعوديه..بعضها مجاناً مع الحجاج و المعتمرين و الآخر يوزع بقروش زهيده أو مجاناً فى المترو و القطارات.
انتهيت و أنا مغادر الى أن ما يتلقاه هؤلاء المساكين فى قريتنا ليس بمفرده كافٍ..هناك الفضائيات و الشيخ على و معارف الخليج و شرائط الكاسيت..الخ..الخ،و لكن ليس هذا لوحده هو السبب؛ هناك غياب هائل للدوله هو من ترك فراغ للإرهاب الفكرى الذى حطم كل ما تبقى من عقل لديهم قابل للمناقشه ولا يستسلم لمجرد كلمه ملتصقه بحلال او حرام من اى انسان.
هناك سقوط للعقل المصرى اليوم بيد الخرافه أو التطرف و ربما الإرهاب كلماً و فعلاً..إن الرده الحضاريه التى عانينا منها منذ السبعينات و الرده الفكريه التى أسستها جماعات التكفير و التحريم أخطار لا يمكن أن تصير بلا داعم..
لماذا تخلت الدوله عن نشر الثقافه؟..اعلم أن المصطلح قد يبدو خاطئ عند البعض فهى تُكتسب لا تُنشر..لكن الواقع يقول ان من الممكن نشرها..لماذا لا نتخيل الدوله و هى تستبدل القصص المقرره على طلاب المراحل التعليميه المختلفه بروايات كبار الكتاب جوده السحار و الحكيم و يحيى حقى و نجيب محفوظ؟
لم لا ندمج روايتان بالإنجليزيه تستمران مع الإعداديه و الثانويه..كل واحده على مدار الثلاث سنوات؟
ألا يكون هذا انفتاح ثقافى و نشر للثقافه؟
إن الوهابيه التى اخترقت بلادنا كالسهم فى قلب الحضاره تقوم بالمطلوب منها..فتوزع كتبها و أفكار الصحراء من حيث أتت مجاناً او بقروش لا قيمة لها..كذلك لها وسائل اعلامها بالعشرات..و نحن فى العراء إن فكرنا زرعت لنا الدوله الطريق عثرات.
لم لا نبيع الكتب و الروايات اقل من نصف التكلفه فىالجامعات..كتب متنوعه تزيد من المعارف و الثقافه..روايات عالميه و محليه..الحرب و السلام..آنا كارنينا..مسرحيات شكسبير.. لم لا نمنحها بنفس الطريقه كامتياز لطلاب المعاهد و الجامعات ؟
لم لا ننشر هذا و نترك العقل المصرى فارغ متهيئ للإرهاب؟
نهايةً فإن الشيخ على و كتب الصحراء زهيدة الثمن او المجانيه التى تُوزع بكل أنحاء مصر و فضائحيات التطرف و التكفير غير قادرين على النجاح لو كان هناك سد منيع من العقل،سد قوى مؤسس بكل اللازم من المعارف و التفكير العلمى السليم ، عقل مصرى مفكر قارئ مطلع..
غادرت القريه و انا أدرك أن الشيخ على طفيلى ينتهى أمره بالعقل وحده لا اكثر و لا أقل.
قريتنا مثل مئات القرى ببر مصر..تمتلئ بالتطرف..و تخلو من العقل..و مكان الدوله يملؤه الفراغ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق