الاثنين، 30 مارس 2009

ضرورة علمنة العمليه السياسيه.


في أثناء حديثه إلى قناة المحور طرح الراحل الكبير عبد الوهاب المسيرى رؤيه عصريه للممارسه السياسيه حيث فيها نمزج بين العلمانيه و الجذور المكونه للدوله بشكلها الجغرافى و التاريخى الحالى ..بحيث تصبح العمليه السياسيه من ناحية الحقوق و الممارسه علمانيه محضه منفصله عن اى دخيل دينى او عرقى او فكرى ، و من هذا المنطق الصائب على حد اعتقادى ابدأ.
كانت نشأة الدوله المدنيه الحديثه امر هام و جلل ففيه بدايه لتنظيم جديد سيغير وجه العالم كله ، لم تكن المسأله اختلاف تنظيمى فحسب بل امتدت الى جانب صناعة الحضاره و الأفكار و مصدر شرعية الحكم و الحاكم..فاسلوب الحكم و نظامه و ادارة الدوله تغير تماماً و كذلك مفاهيم راسخه منذ العهد القديم للحضارات و كانت الدوله المدنيه حاضره للإجابه على أهم الأسئله التى تنتظرها كوريث للنظام القديم ، من تلك الأسئله سؤال عن استيعاب من يعيشون داخل حدودها سواء أقليةً دينيه او عرقيه فكانت المواطنه و سؤال عن اسلوب الحكم فيها و ارتباطه بالأقليات التى نُزِعَ عنها ذاك الإسم و صاروا مواطنين فكان الأمر كذلك متعلق بالمواطنه مما استدعى وضع المواطنه كحد للممارسه السياسيه و بالتالى تم الفصل التام بين العمليه السياسيه و كل ما يختلط بها من شوائب متعلقه بصفة الممارس لحقوقه من المواطنين كدينه و انتمائه الفكرى الأيدولوجى و ما شابه فكانت العمليه السياسيه من حقوق كالإنتخاب و الترشيح و تكوين الأحزاب و حريات الفرد المتعدده من ابداء رأى للتعبير الى آخر تلك الحقوق الممتده و كافة ما يتعلق بالعمليه السياسيه علمانياً أى مرتبط فقط بالطبيعه المجرده للمواطن الممارس كمواطن بغض النظر عن أى صفه تمييزيه به...
و فى العصر الحالى و مع تنوع الأديان داخل كل دوله و تعدد الأعراق فى بعض منها باتت العمليه السياسيه محك اختبار حقيقى للشعوب فإما تُصيغ نظامها الأساسى بصوره تمنع الإحتكاكات الطائفيه و تضمن تطبيق المواطنه الحقه فتكون بذلك شعوب تنتمى لدوله مدنيه او تفشل فتذهب ريحها ، و قد إعتمد العالم الحديث فى نظمه رؤيتين للنظام السياسى الخاص بالدول ذات التعدديه العرقيه أو الدينيه او الطائفيه..فبات الوضع إما نظام قائم على أساس الحصص ( الكوته ) او النظام العلمانى (فيه نرى وضع القرار بيد الناخب على أساس التصويت السرى المباشر و فصل الإنتماءات الدينيه و العرقيه عن العمليه السياسيه تماماً مع ملاحظة أن النظام الحصصى كذلك ديموقراطى مدنى لكن مرتبط بالهويه الدينيه او العرقيه ) و فيما يلى توضيح لهما مبسط و فيه أذكر رؤيتى الشخصيه لمصر ..أيهما أفضل فى ظل مناشدات بتخصيص حصص للأقباط المسيحيين و المرأه..
كثير من الدول ذات الطوائف المتعدده و الأعراق المتنوعه نجدها تتعامل مع عمليتها السياسيه بنظام المحاصه أى الكوته ، فلكل طائفه نسبه و لكل عرق نسبه و من أشهرر تلك الدول لبنان و الهند..هذا هو الحل الأول و هو الحل السهل بحيث يضمن الحقوق الموجوده دستورياً لكل المواطنين ، و من زاويه أخرى يجعل هناك حل لإشكالية قلة طائفه معينه مما قد يحرمها من تمثيل برلمانى حقيقى و لكن هذا له فى رأيى ثلاث عيوب :
أولاً..يحدد هذا النظام نسبه لكل مواطن على أساس طائفته مما يشكل (فى رأيى) خرقاً لمعنى المواطنه الحقيقى فالإنتخاب حينها يتم و فى ذهن كل مواطن طائفته أو حسابات طائفته مع الطائفه الخرى مما يجرد العمليه السياسيه من جوهرها الوطنى.
ثانياً..لا يؤمن هذا النظام فى حل كل الإشكاليات الطائفيه حيث لا نجد مثلاً فى لبنان استقرار حقيقى سياسياً و ربما يمتد الأمر الى صراع مسلح أو حرب داخليه.

ثالثا : ليس من المضمون ألا تتحول هذه الصفه القائمه على أساس الحصص الى رؤيه انفصاليه مثلاً و لنا فى الوضع العاراقى المضطرب الذى تجسد بعض انسحاب اغلب القوات البريطانيه من العراق ان سارعت قوى مواليه لإيران بطلب استفتاء لتحويل البصره لإقليم و بالتالى تكون اختصاصاته فيدراليه و متحكمه فى ثرواته من بترول و غيرها و مع انعدام الأمن و سيطرة الميليشيات يصير الأمر كالشمال الكردى و من بعده انفصال عن جسد الدوله .

* أجد الان النظام الثانى مطروحاً و لعلى قد شرحته فى السابق (وضع المواطنه كحد للممارسه السياسيه و بالتالى تم الفصل التام بين العمليه السياسيه و كل ما يختلط بها من شوائب متعلقه بصفة الممارس كدينه و انتمائه الفكرى الأيدولوجى و ما شابه فكانت العمليه السياسيه من حقوق كالإنتخاب و الترشيح و تكوين الأحزاب و كافة ما يتعلق بالعمليه السياسيه علمانياً أى مرتبط فقط بالطبيعه المجرده للمواطن الممارس كمواطن بغض النظر عن أى صفه تمييزيه به) ...

و مع بريق هذه الرؤيه إلا أن هناك لها عيبان رئيسيان:
أولاً : لا يضمن هذا النظام أن تمثل الأقليات من المواطنين فى الهيئات الحاكمه بحيث مثلاً لقلة عددها أو انتشارها و عدم تركزها فى مكان محدد بالوطن لا تستطيع تكوين عدد من النواب التشريعيين أو القيادات التنفيذيه المنتخبه من جانبها فى البرلمان او الأقاليم مما يمثل تجنيب لهم و ذلك يحدث عادةً فى البلاد التى لا تنتشر فيها ثقافة المواطنه و يكون الأمر فيها راجع لقرارات فوقيه من السلطه دون ايمان شعبى.
ثانياً : هذا النظام لا يحقق مبدأ المواطنه كاملاً لأنه لا يضمن آليه حقيقيه لفصل الإنتماء عن الأداء السياسى فمن الممكن أن تكون العمليه علمانيه لكن المواطن متطرف الفكر و تمييزى بشكل كبير فنرى الشعارات الدينيه أو العرقيه التى تدمر النظام من أساسه وتجعل الكوته أفضل فهى على الأقل لليست بحاجه للشعارات الدينيه او العرقيه فمن الواضح تماماً حق كل طائفه و عرق .




فى أثناء تقديمه لرؤيته المستقبليه حول العمليه السياسيه فى مصر قدم الدكتور سعد الدين ابراهيم مقترحاً باعتماد نظام الكوته فى مصر ضارباً الهند كمثال حى لدول العالم الثالث التى ينتشر فيها التطرف الدينى الهندوسى و الإسلامى و مع ذلك استطاعت ان تحقق معدلات تنميه ممتازه و أصبحت اكبر ديموقراطيه فى العالم ، من هذا المنطلق كان اقتراحه بوضع الكوته كمرجع للعمليه السياسيه و ينظم الأمر دستورياً ، و من قبل كانت هناك مطالب لمنظمات أقباط المهجر باعتماد الكوته كنظام لضمان الحقوق المسيحيه فى الإنتخابات فى مصر على اعتبار أن جماعات الإسلام السياسى تحقق نجاحاً بفضل المرجعيه الدينيه و الشعارات الدينيه مما يمثل خطراً على الحق المسيحى الذى لا يستطيع (علناً) أن يتخذ الدين وسيله للنجاح الإنتخابى فى مصر...و من هنا وجب التنبيه فمع العيوب الرئيسيه الموجود فى نظام العلمنه السياسيه أجد أن هذا أفضل بكثير من وضع الكوته ففى بلد كمصر و مع شعب كالشعب المصرى و مع جماعات التطرف الإسلاميه و المسيحيه من الخطر وضع نظام سياسى مرتبط بالدين و الا كانت النتيجه إما نظام انفصالى مهترئ مثل الوضع العراقى (مع العلم بأخذى فى الإعتبار طبيعة الدستور الفيدرالى العراقى المختلف تماماص عن الدستور المصرى الدائم 1971 و لكن مع العامل الدينى و التصعيد الحتمى باشراك الهويه الدينيه فى العمليه السياسيه لن تختلف النتائج كثيراً) أو تبقى الأمور على حالها مع تزايد المشكلات الطائفيه و تصاعد عملية العنف الطائفى إذ انه من المستحيل أن أطلب من مواطن خاضع لتجهيل ثقافى و تاريخى أن يضع دينه و مذهبه فى يده و هو ذاهب للإدلاء بصوته ثم أحدثه عن المواطنه من ناحيه و متطرف يحدثه عن كفر الإنتخابات من ناحيه أخرى و من سيطرة الكفار على البرلمان(حصة المسيحيين) و حرمة هذا و سيتحول الإنتخاب لحرب يتسابق فيها الناس لإنتخاب الإسلاميين لحمايتهم من خطر يجهلونه و يتسابق المسيحيون لإنتخاب الكثر تطرفاً لدعمهم أما الإسلام السياسى و بمرور الوقت بدلاً من نظام سياسى – مدنى سيتحول المر لنظام دينى –طائفى بحت تسيطر المؤسسات الإسلاميه المتطرفه على بعضه و البعض الآخر تهيمن عليه بركات الكنيسه.
لا مفر من علمنة العمليه السياسيه بصوره كامله (و هذا خاص بالعمليه السياسيه و ممارسة الحقوق السياسيه و لا اتكلم هنا عن باقى نواحى الدوله فالدين ضرورى و أساسى للهويه المصريه و الدستور المصرى و القانون المصرى ) و أى اتجاه للكوته سيحول الوضع للأسوأ إذ أن المجتمع المصرى الذى رضع تطرف الجماعه الإسلاميه المسلحه و جماعات العنف و تكفير ما يكفره الشيوخ من الوهابيين و من تبعهم لا يقدر على استيعاب المواطنه على أساس الكوته و كذلك المصرى المسيحى الذى يقتات على تجنب الإختلاط و دراسة تاريخ تمييزى و مواد تمييزيه و هو فى النهايه ابن مجتمعه هو الآخر لن يستوعب أي تعريف للمواطنه و لن يخرج من اطار الكنيسه .
أعلم ان النظام السياسى العلمانى لن يؤدى الى حل كل المشكلات و له عيبان رئيسيان لا يستهان بهما كما ذكرت لكن هو بالمقارنه بالكوته لدوله فى حال مصر أفضل من انتحار جماعى بأن نقسم العمليه السياسيه الى قسمين بنسب فالوطن واحد و لن يصلح تقسيم السياسه لأننا لا نأمن منه أن يأتى و معه تقسيم الوطن.
و الله و مصر من وراء القصد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق