الأربعاء، 11 مارس 2009

حرب الكنيسه و الدوله فى مصر.


كنت قد نويت فى البدايه أن أسمى المقال بإسم حرب الكنيسه و النظام فى مصر لكن ما وجدته هو ان تلك الحرب البارده التى تختلط بالتعاون و تبادل المنافع ليست مع النظام فحسب لكنها تمتد للدوله و هذا هو الأخطر لأنها فى الحاله الأولى تلاعب أشخاص و حزب لكن فى الثانيه تتلاعب بالوطن.

الكنيسه القبطيه فى مصر وطنيه..نعم ، الكنيسه القبطيه المصريه جزء من الدوله..نعم ، لكن هناك شئٌ ما تغير شئٌ ما لم يكن واضحاً فى عهد جمال عبد الناصر لكنه تجسد فى عهد السادات و انفجر فيه ثم بات فى عهد مبارك بصورته المقيته التى نراها الآن......


الكنيسه و الدوله فى الحقبه الليبراليه:

-------------------------------------------
مع بداية العهد الدستورى الليبرالى فى مصر لمعت العديد من الأسماء المصريه المسيحيه فى العمل السياسى و تركزت فى البدايه فى حزب الوفد قبل أن تمتد الى العديد من الأحزاب الأخرى المختلفه ، و هذا لا يعنى أن ذلك لم يحدث من قبل ففى العمل السياسى قبل ثورة 1919 كانت هناك العديد من الأسماء السياسيه اللامعه التى تولت مناصب لا يتجرأ أحد على طرحها لمسيحى اليوم فى مصر و نموذج رئيس الوزراء بطرس باشا غالى ماثل ( بغض النظر عن أسباب توليه و أحداث شابت عهده)..على كلٍ كانت الكنيسه القبطيه فى الحقبه الليبراليه واضحه تماماً حيث كانت منفصله عن العمل السياسى (و أذكر السبب لاحقاً ) و ليس لها تأثير يذكر على السياسيين المصريين مسيحى الديانه و كانت نجوم مثل المرحوم سينوت حنا و المرحوم ويصا واصف أسماء سياسيه تحوز إقبال و دعم شعبى غير مسبوق ، كانت العلاقه بين الكنيسه و العمل السياسى هى علاقة دعم روحيه و لكن لا تتدخل و لم يكن الأمر قاصراً على دور الكنيسه فحسب بل إمتد لدور الجاب الإسلامى أيضاً لأن فى وقتها كان هناك أناس أدركوا قيمة فصل (العمليه السياسيه) عن الدين تماماً و نوذج الخلاف الكبير بين النحاس و فاروق حول حضور شيخ الأزهر مناصب توليه واضحه ، و طوال تلك الفتره كانت الكنيسه لا تتدخل فى شئون الحكومه أو المواطنين المصريين المسيحيين إيماناً بمبدأ العمل السياسى المدنى و لعلمها بمغبة ذلك و أذكر أسباب هذا السكون من جانب الكنيسه فيما يلى :


-1- لم يكن هناك تمييز بين المسلم و غير المسلم فى أغلب التنظيمات(بإستثناء الإخوان المسلمين) و بالتالى أياً كانت الحكومه وفديه أو غيرها فلا تمييز يدفعها للتدخل.


-2- كانت الكنسيه تدرك أن أى تدخل لن يكون مدعوماً من السياسيين المسيحيين و بالتالى ستخسر بلا شك.


-3- كانت مدنية الدوله و مدنية الحكومات لا تترك أى رغبه سياسيه للكنيه.


-4- كان الباباوات المتعاقبين لا يحبون شئون السياسه إلا فى حدود تخص الكنيسه مثل قوانين البناء و الحوال الشخصيه.




* من هنا اجد ان الوضع بين الكنيسه و الدوله فى الحقبه الليبراليه(1923-1952) كان يكاد أن يكون مثالياً فالكنيسه لا تتدخل فى الشأن السياسى و تدرك أنها جزء من الدوله و ليت شئ آخر و مع مدنية النظام و تساوى المواطنين و تطبيق مبدأ المواطنه ظل الحال كما هو الى أن حدث شئ خطير...23 يوليو 1952.


الكنيسه و الدوله فى عهد الئيس عبد الناصر:

--------------------------------------------------

مع قيام الإنقلاب العسكرى 1952 ثم تضامن الشعب معه مباشرة بصوره جعلت الحركه ثوره شعبيه كانت الأمور تتجه للإنغلاق السياسى و منع الديموقراطيه و بدا هذا واضحاً مع قرارات حل الحزاب (وافق الوفد بصوره عجيبه و لم يعترض تقريباً) و كانت من أهم نتائج ذلك تحول العمليه السياسيه و إدارة شئون البلاد للسلطه الفرديه اى ان كل العناصر المؤثره هى التى تدير و تتحكم بلا أسس مثل المواطنه فالإنتخابات و الإشتراك فى الحكم ، كان هذا يعنى ان كل من له طلب أو رأى إما أن يشاركه لحسن حظه أحد الساده أو أن يصمت لأنه لو تكلم فلا منصت له إلا الأمن السياسى..و بطبيعة الحال كان صف الضباط الأول خاليا من المسيحيين مما شكل بداية خروج هائله للعنصر المصرى المسيحى من الحكم و بقاء نسبه بسيطه منه بالإختيار..اى أن الوضع صار بالتعيين حسب الثقه و ليس بالإنتخاب و بات الوجود المسيحى يُهمش سنه وراء الأخرى حتى ضاق تماماً فى نهاية الستينان بالجانب السياسى و طبعاً بالجانب الإقتصادى مع غيرهم من المسلمين الذين حطمتهم الرؤيه الإشتراكيه و عزلتهم تماماً عن الإقتصاد الفردى الخاص ، فى تلك الأيام كانت علاقة جمال عبد الناصر بالبابا كيرلس متميزه و كثيراً ما كان يطلب البركه منه و يتزاوران مما شكل هدوء (سطحى) على المشكله و جعلها غير مرئيه بالنسبه لمن ينظر الى مصر دون دراسه معمقه لحالها ، و كانت ملامح بداية التوتر الحقيقيه بعد كارثة 5/6/1967 التى حطمت مشروعية و مبادئ ناصر و جعلت نظامة متأرجح بين البقاء و الرحيل..هنا بدت العديد من الأصوات تتزامن فواحده تعيد ما حدث للبعد عن الدين وجاعله الدين وسيله ذكيه لتمرير سياسات معين حُرموا منها منذ 1954 و صوت آخر يتحدث عن إضطهاد المسيحيين فى المناصب الكبرى و بعدهم عن ما كان فى الحقبه الليبراليه واضعين أول كلمات الفصل الدينى بين أبناء البلد وواضعين لبنة تحطيم مفهوم المواطنه بخلق كلمة مصرى مسلم مسيطر و مصرى (قبطى) محاصر..تمر الأيام و كلا الصوتين يعلوان احدهما ينتشر ببطء و الآخر ينمو دون أن يشعر أحد الأول ينتشر عبر المساجد و الآخر ينمو عبر أسماء معينه باتت تتحكم فى صنع القرار بالكنيسه ، و مات جمال عبد الناصر لتنتهى حقبه صنعت المشكله و لكنها جعلتها مدفونه فى إنتظار حمقى ينقبون عنها.


الكنيسه و الدوله فى عهد الرئيس السادات:

--------------------------------------

عبر موقع أقباط متحدون و غيره نجد دوماً كيل هائل من الإتهامات للسادات إبتداءً من العماله للإخوان المسلمين إنتهاءً بكراهية المسيحيين و التطرف الدينى (المدهش أن مواقع إسلاميه أخرى تعتبره كافر) و كُنتُ دوماً أندهش من تلك الكراهيه له و من تلك المشاعر الملتهبه ضده التى أراها دوماً و أشعر بها فى كلمات كل مصرى مسيحى يحدثنى عنه ، بل أجد بين الشباب من يصفه بالإدمان و ما شابه ، كل هذا لا أراه فى تاريخ السادات و لكن كان السؤال الحائر..لماذا؟

نجد الإجابه فى تاريخ السادات و الكنيسه و لكى أكون منصفاً أجده فى تاريخ السادات و البابا شنوده.....

كانت للسادات ميول غربيه و رأسماليه واضحه و مع أحداث مايو إستقرت البلاد فى يده مما شجعه على أن يقوم بالعديد من الأمور التى رآها سليمه من ناحيه و من ناحيه أخرى وجدها وسيله جيده للتعامل مع الغرب و إبداء وجه ديموقراطى مطلوب غرباً ، كانت من تلك المور الإفراج عن أعضاء الجماعات الإسلاميه التى كان أغلبها الإخوان المسلمين..هنا كانت بداية المشكله فمع أحداث الخانكه1972 التى كانت صاعقه ضربت الشعور الوطنى بدأ البابا شنوده يتوجس خيفه من تلك السياسات فليست الخانكه وحدها بل أيضاً أحداث هنا و هناك تزامنت مع خروج تلك الجماعات(و هذا كان الإنصاف و هذا كان حقهم و غير ذلك كان ظلم بين) و مع حرب أكتوبر بدأت عمليات الإنتقال الى المناخ الرأسمالى و بطبيعة الحال حدثت مشكلات عديده و لكى أكون منظماً أوجزها فى عنصرين أحدهما عن شنوده و الاخر عن السادات أوضح فيهما أسباب التوتر بينهما:

السادات؛......


-1- خروج جماعات الإسلام السياسى من السجون و نشر بعضهم أفكار عنصريه ضد غير المسلمين مما شكل سبب مباشر لأحداث الخانكه و الزاويه الحمراء و غيرها.

-2-نزوح المصريين للخليج بعد أكتوبر حيث عادوا بالوهابيه السلفيه و الكثير من الرؤى التكفيريه التى تكفلت بنسف المتبقى لديهم من روح المواطنه.

-3-شعور السادات بأن البابا شنوده يريد دوراً سياسياً يناطحه به بإعتباره ممثلاً للمسيحيين و زعيماً دينياً لهم و بذلك يكون له دور سياسى .

-4-خطأ رهيب للسادات حينما تعامل مع الإسلاميين كمجموعه كفيله بتخليصه من مشكلات المعاضه اليساريه الكاسحه التى نشطت مع الإنفتاح، و بذلك شكل السادات قوتهم و جعلهم فوق القانون فى الكثير من الأحيان ناشرين الفكر المتطرف ضد المسيحيين و محطماً بذلك العداله فى تعامل الدوله مع القوى السياسيه مما أثار جنون البابا شنوده و جعله يرى السادات يسئ للمسيحيين.

-5-الحاله الإقتصاديه التى كانت تزداد سوءً مما شكل وسيله للجوء للعنف و الذهاب للخليج و الباقى معروف.

-6-وجود العديد من العاة المتطرفين ذوى الشعبيه الكبيره مما شكل وسيله سهله لنشر التكفير للمسلم قبل غير المسلم و هذا بعلم السادات حيث كان يتصور أنه مسيطر عليهم.

-7-وجود شائعات عن تنصير منتشر دون تدخل من الدوله للكشف عن الحقيقه و تفضيلها السكوت.


البابا شنوده؛........

-1-خلط البابا بين مسئوليته الدينيه و السياسيه فبات يتعامل كأنه ممثل المسيحيين فى مصر مستغلاً إنعزالهم عن العمل السياسى.

-2-تهور و إندفاع البابا فى مواجهة التطرف و تحميله السادات مسئولية الأمر دون محاولة محادثته و التفاهم معه.

-3- إعتبار شنوده أن الكنيسه ممثله للمسيحيين واضعاً المزيد من المسامير فى النعش.

-4-التصعيد بغير سبب من البابا لدرجة أنه مع إحدى الحوادث الطائفيه تزعم مسيره و مظاهره بنفسه و معه العديد من القساوسه؟؟؟

-5-إهمال البابا شنوده معالجة التطرف المسيحى من جانبه و إعتباره التطرف إسلامى فقط مما جعل المشكله تتفاقم.

-6-إهمال البابا معالجة مشكلة التنصير بالبحث و إظهار الحقيقه و إعتباره أن الأمر غير هام مما جعل موقفه غايه فى السوء.

-7-تعنت البابا مع السادات و رغبته فى التحكم فى العديد من المسائل السياسيه التشريعيه مخالفاً طلبه بفصل الدين كليةً عن كل مناحى الدوله الرسميه.


* و مع مرور حقبة السبعينات بدا المجتمع المصرى ممزقاً ين مشكلاته الإقتصاديه و الدينيه و لم يكن هناك حل فالكل متعنت و لا يريد إلا نفسه و رأيه مما جعل المصريين المسيحيين يتمسكون بالكنيسه و يعتبرونها ملاذاً أولاً قبل الوطن فإزدادوا عزله و إزداد الإرهاب و التشدد و إنتشر فى البيوت و العقول و الكنائس و المساجد لتنتهى حقبة السادات بكارثتين الأولى أحداث و إعتقالات سبتمبر 1981 التى تم فيها عزل البابا شنوده و إعتقاله أو تحديد إقامته و تم فيها فى 1981 بشهر أكتوبر أكبر حادث إرهابى فى تاريخ مصر الحديث بإغتيال السادات و حاولة الإرهاب قلب نظام الحكم و السيطره المسلحه على أسيوط فى مذبحه دمويه أخرى..و تولى الرئيس مبارك الحكم.


الكنيسه و الدوله فى عهد الرئيس مبارك:

-------------------------------------

فى العام 1984 كان البابا شنوده حرأ و مستعيداً للقبه و سلطاته الروحيه و منتهجاً وسيله جديده للتعامل مع الدوله وسيلة الحوار و التنسيق متأثراً بما حدث له فى السابق ، كذلك كان و مازال الرئيس مبارك فهو لا يصعد المواجهات عادةً بل يأخذ بوسيلة الحوار و التباحث و التفاهم مخالفاً سياسة الرئيس السادات فى المواجهه مع الداخل و الحوار مع الخارج ، فعلاقة الكنيسه مع الدوله أو النظام إن شئت الدقه باتت سليمه و لا تشوبها مشكلات العهد الساداتى بل تكاد تقارب علاقة الكنسيه بالدوله فى العهد الناصرى.

و هنا اود أن أشير الى عدة نقاط تطرحهم الكنيسه وتؤكد عليهم دوماً فى سياق سياسة التفاهم المستمره:

-1-وضع قانون موحد لبناء دور العباده كنائس و مساجد و معابد.

-2-الغاء فكرة النسبه الشهيره 2.5% من الشرطه و الجيش.

-3-وضع المزيد من المسيحيين فى المناصب العليا من محافظين و ورزاء و رؤساء جامعات و أجهزه أمنيه.

-4-مواجهة التطرف و لو بالقوه لحماية المسيحيين.

هنا أشير الى أن البابا شنوده يمارس عمله فى تجميع المصريين المسيحيين فى الكنيسه كورقة ضغط ممتازه بجداره ، لكنه ينسى انه يحطم ما تبقى من مواطنه بذلك و يعزل المسيحيين عن المجتمع المصرى كله مجزئاً له لمسيحى و مسلم ، لم يختلف البابا عن إسلوبه السابق لكنه جعل الحوار و المساومه وسيله ، و الرئيس مبارك كذلك لا يريد تصعيد المشكلات و صنع إحتقان طائفى أيضاً مما شكل وسيله ممتازه لشنوده لمد المزيد من السلطه على الكنيسه و أتباعها.


هنا أشير كخاتمه للعديد من مظاهر الحرب بين الدوله بمؤسساتها و الكنيسه كما أرى:

-1-مع اى فيلم أو مسلسل يناقش الأقباط المسيحيين أو يجعل اى منهم صاحب دور شرير نرى الكنيسه تحتج و تصفه بالإهانه و نماذج بحب السيما و واحد صفر و من الذى لا يحب فاطمه و لن أعيش فى جلباب أبى و غيرها.

-2-العنف فى الردود على الحكام القضائيه على الطلاق أو أحكام القضاء الإدارى و غيرها و إعلان الكنيسه أنها لن تنفذ..هكذا بلا أى هدوء أو نقاش فقط إعلان الرفض بفظاظه.

-3-إستخدام الكنيسه لنفوذها الدينى لمد السيطره على العديد من رجال الإقتصاد المسيحيين بصوره فاضحه ، و لعل تعداد المسيحيين العاملين فى شركات و مصانع بشاى و ساويرس يؤكد أن المسيحيين إما 45% على الأقل من الشعب أو ان هناك من يضغط لتعيينهم مسقطين مبدا تساوى الفرص و يمتد الأمر لشركه مثل النيل للأدويه و آمون (ثروت باسيلى قبل البيع بسبب الديون) و غيرهم (هنا أشير الى حدوث الأمر بالعكس مع البنوك الإسلاميه و الشركات الإسلاميه و الأطباء المسلمين خاصةً أطباء النساء و التوليد).

-4-تعمد الكنيسه رفض علنى لأى محاوله لإدخال الجهاز المركزى للمحاسبات فى حساباتها ، حتى مجرد مراجعة الحساب الختامى العلنى لأعضاء المجلس الملى يرفضون أيضاً و كأن الكنيسه جسد منفرد و ليس جزء من الدوله.

-5-مع اى حدث طائفى إما أن يصعد القساوسه الأمور فتلجا الدوله للرشوه بكنيسه جديده أو ينعزل البابا دون رد مما يزيد الإحتقان.

-6-تحول الكنائس لمركز تجميع مسيحيين و فصلهم عن الدوله فالبيع نشط داخلها و العلاج كذلك(و أيضاً فى الجمعيات الإسلاميه) و تعليم اللغات(بالصدفه طبعاً كل من ينجح فى تلك الدورات يهاجر لكندا أو أستراليا..صدف)و تجهيز العرائس و كل ما قد يجذب المسيحى الى الكنيسه و يسحبه من الدوله.

-7-نسف أى عمل أدبى يناقش مسائل تاريخيه مسيحيه(عزازيل مثال) أو مسائل حاليه بأى شكل ممكن.

-8-تجاهل أى رد حقيقى على أقباط المهجر و الإكتفلء بالتجاهل او فى احسن الظروف رفض شكلى و مليون تبرير.

هذا كان ما أرى من علاقه تحولت للحرب مع الدوله دون ان نشعر...و حسبى الله و نعم الوكيل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق