الخميس، 30 أبريل 2009

فى نقد التجربه العلمانيه التركيه.


[vتنال تركيا اليوم الكثير من الإهتمام..ليس من جانب وضعها السياسى فحسب أو من جانب أحداثها السياسيه المتتاليه التى لا تتوقف و لكن من جانب آخر، جانب الرؤيه العلمانيه المسيطره عليها و على مؤسساتها الرئيسيه ، الآن احاول ان اكشف بعض الغموض الذى يحيط بعلمانية تركيا او ما اسميه : العلمانيه الكماليه.
بدايةً لا بد أن نعرف العلمانيه..ما هى و ماذا تعنى؟
لا يوجد تعريف محدد للعلمانيه فهى كاى توجه او ايدولوجيا قائمه على مبادئ معينه و لكل متخذ لها ان يفهم هذه المبادئ و يصوغها برؤيته سواء المشرع فى الدستور او سلسلة القوانين او الفرد العادى الذى يتخذ الفكر العلمانى كقناعه خاصه له.
العلمانيه كما ذكرت لها تعريفات عديده لكن أصوغ اليكم او أنقل تعريف مبسط طرحه الدكتور : خالد منتصر أحد الوجوه العلمانيه البارزه بمصر حيث يعرف العلمانيه كالآتى:
بداية لنتفق على الأصل اللغوى لكلمة العلمانية فالعلمانية هى المقابل العربى لكلمة Secularism فى الانجليزية او Seculaire فى الفرنسية ،وأصول الكلمة تعنى يستولد أو ينتج او يبذر او يستنبت من الاهتمامات الدنيوية الحياتية ومن هنا فإنها استخدمت كصفة أيضا لأصحاب هذه الاهتمامات الدنيوية، وللكلمة أيضا دلالة زمنية (saeculum)فى اللاتينية بمعنى القرن حيث انها تصف الأحداث التى قد تقع مرة واحدة فى كل قرن، فالدقة الكاملة لترجمتها كما يشير د. فؤاد زكريا هى الزمانية، ان العلمانية ترتبط بالأمور الزمنية أى بما يحدث فى هذا العالم وعلى هذه الأرض فى مقابل الأمور الروحانية التى تتعلق أساسا بالعالم الآخر ،وقد كان المترجمون الشوام قديماً يستعملون لفظ العلمانية كترجمة للكلمة الفرنسية LAIQUE او الانجليزية LAIQUE وهى المأخوذة عن اللاتينية LAICUS اى الجماهير العادية او الناس او الشعب الذى لا يحترف الكهانة تمييزاً لهم عن رجال الدين ،والمفهوم الثانى وان كان لا يستخدم الآن يؤكد المفهوم الأول ولا ينفيه فاللفظ قد تطور ليعبر عن التحول من حكم الاكليروس (الكهنوتى) إلى السيطرة المدنية (حكم الرجال العاديين) المعنيين بالشئون الدنيوية (الزمانية) هذا عن المعنى اللغوى والذى كما رأينا لا يعنى الالحاد من قريب او بعيد بدليل أن القس الذى لا يخضع لنظام كنسى محدد يطلق عليه Secular priest أى قس عالمانى وليس قسا ملحدا والا لكانت نكتة !!.. وسيرد المتربصون بالعلمانية ويقولون "هذا هو تعريف الغرب المختلف عنا شكلاً ومضموناً فماذا عن تعريفكم أنتم ؟ واجابة السؤال هو ان تعريفات العلمانيين للعلمانية شأن أى تعريف فى اطار العلوم الانسانية تختلف باختلاف وجهة النظر والمدرسة الفلسفية التى ينتمى اليها صاحب التعريف ولكن فى النهاية تصب كل التعريفات فى مصب واحد . وأول هذه الأنواع من التعريفات هو التعريف الذى يستند الى علاقة العلمانية بالدين : • "العلمانية ليست هى المقابل للدين ولكنها المقابل للكهانة" • العلمانية هى التى تجعل السلطة السياسية من شأن هذا العالم والسلطة الدينية شأناً من شئون الله" • "العلمانية هى فى جوهرها ليست سوى التأويل الحقيقى والفهم العلمى للدين" ثانياً: تعريف من حيث حقوق المواطنة وأسسها الدستورية :• "العلمانية لا تجعل الدين اساساً للمواطنة وتفتح أبواب الوطن للجميع من مختلف الأديان هذه هى العلمانية دون زيادة او نقصان فهى لم ترادف فى اى زمان او مكان نفى الأديان"• أسس الدولة العلمانية تتمثل فيما يلى : أ- أن حق المواطنة هو الأساس فى الإنتماء بمعنى أننا جميعا ننتمى الى مصر بصفتنا مصريين مسلمين كنا ام اقباطاً .ب- إن الأساس فى الحكم الدستور الذى يساوى بين جميع المواطنين ويكفل حرية العقيدة دون محاذير أو قيود . جـ- أن المصلحة العامة والخاصة هى اساس التشريع . د- ان نظام الحكم مدنى يستمد شرعيته من الدستور ويسعى لتحقيق العدل من خلال تطبيق القانون ويلتزم بميثاق حقوق الانسان" ثالثا : التعريف الشامل من وجهه نظر معرفية وفلسفية: "التفكير فى النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق"، هذا هو تعريف العلمانية للدكتور مراد وهبه والذى جاء فى معرض حديثه عن رسالة فى التسامح للمؤلف الانجليزى جون لوك والذى خلص إلى أن المعتقدات الدينية ليست قابلة للبرهنة ولا لغير البرهنة فهى إما ان يعتقد ولهذا ليس فى إمكان أحد أن يفرضها على أحد ومن ثم يرفض لوك مبدأ الاضطهاد باسم الدين ،ويترتب على ذلك تمييزه بين أمور الحكومة المدنية وأمور الدين ويقرر مراد وهبه إن هذا التمييز هو نتيجة للعلمانية وليس سبباً لها فالعلمانية نظرية فى المعرفة وليست نظرية فى السياسة ، وهذا التعريف يتفق الى حد كبير مع تعريف آخر هو أن "العلمانية محاولة فى سبيل الاستقلال ببعض مجالات المعرفة عن عالم ما وراء الطبيعة وعن المسلمات الغيبية.
و بالتالى اجد ان العلمانيه نظام لإدارة امور الدنيا قائم على اسس هى التنظيم و الحقائق و التخطيط العلمى السليم ، و تتجاذب مع مبادئ العداله و الحريه و المساواه بلا اى اشتباك مع الدين بل مع السلطه الدينيه على حياة البشر أو بصوره اخرى استبداد المؤسسه الدينيه و سيطرتها على عقول و مصائر البشر.
فهل يلتزم الأتراك الرسميون بهذا التعريف و بالتالى نقيس العلمانيه باعتبارها موجوده بتركيا؟

تركيا منذ العام 1924 رسمياً جمهوريه قوميه علمانيه بدأن بعام 1922 مع سيطرة أتاتورك على الحكم اثر حرب التحرير التى قادها لتحرير تركيا من الإحتلال الغربى و بمعاهدة لوزان 1923 تم ترسيخ علاقه جديده بين الغرب و تركيا بحيث يعترف بها الغرب و تكون بينهما علاقات طبيعيه و منظمه تمهيداً لصنع نموذج غربى فى تركيا و لنحر الثقافه و الإنتماء الشرقى لها على مذبح الهويه الجديده ؛ الهويه الغربيه..كانت هذه هى ملامح تركيا الحديثه فى عشرينات القرن المنصرم و لكن هل هذا النظام يصلح للتسميه بالعلمانى؟
لا يمكن القول بوحدة الرؤيه لأى ايدولوجيا فى العالم فشيوعية الصين تختلف عن شيوعية الإتحاد السوفيتى ، و النظام الإسلامى فى السعوديه يختلف عن مثيله فى ايران أو السودان ابان عهد النميرى...و بالتالى فالرؤيه للعلمانيه تختلف من نظام لآخر و من شعب لآخر فالعلمانيه فكر غير محدد بدقه و لكنه يستفيد من هذا بحيث يستوعب الآراء المختلفه و الإتجاهات و خصوصيات الشعوب بداخله.
من اجل هذا لا أستطيع ان أقول بالحكم على العلمانيه من خلال النظام التركى أو اى نظام آخر بل احكم عليه من واقع الأفكار التى سبق ووضحت جزءً منها.
و اعود للسؤال السابق هل النظام التركى علمانى؟
أجيب انه يطبق جزء من الرؤيه العلمانيه حتماً بفصل الدين عن النظام و نلمس هذا فى الدستور و القوانين التركيه التى فصلت الدين و السلطه الدينيه عن الدوله.
مع هذا اجد انه و فى المقابل فان النظام التركى عجيب..فهو و ان فصل بين الدين و الانتماءات العرقيه من جانب و الدوله الرسميه من جانب اخر فان العديد من المآخذ تكاد تسلبه صفته العلمانيه...
-1- الدوله ذات نظام محمى بالجيش و اى محاوله قانونيه لتغيير الصيغه العلمانيه او تعديل على مواد دستوريه مرتبطه بالعلمانيه تجاب بانقلاب عسكرى ضد السلطه المنتخبه ،اما انقلاب دموى كانقلاب جمال جورسيل او ابيض كانقلاب كنعان ايفرين
-2- الديموقراطيه منقوصه فى تركيا فكما ذكرت نتائج الانتخابات لا تحترم بل و سلطة البرلمان لا تحترم كنموذج تعديل ماده دستوريه للسماح للحجبات بدخول الجامعه و بعد اقرارها الغاها قضاة الدستوريه العليا لرؤيتهم ان الامر خالف الدستور فى حين ان الجيش لن يسمح بتعديل المواد ذاتها ، باختصار البرلمان ليست له سلطه فعليه لتعديل الدستور و لا ارادة الشعب لها سلطه عليه.
-3- المواطنه غير مكتمله و تكاد تكون شكليه ، فانت امام القانون مواطن كغيرك لكن عند ممارستك لحقوقك تجد مصيبه...فحرية الملبس لا وجود لها مع المحجبات ،وحرية العمل السياسى معدومه مع الاسلاميين عند وصولهم للسلطه ، بل و حرية الرأى فانت مقيد بعدم مساس لتلتورك باى انتقاد و عدم الحديث عن الارمن ، باختصار المواطنه هيكل بلا تكوين حقيقى.
-4- تتجاوز المحكمه الدستوريه العليا طبيعتها كمحكمه معبره عن ارادة الشعب بحماية الدستور اذ باتت تتطور لصالح بقاء النظام المُرسى منذ عهد أتاتورك الى ان تحولت لجهه قمعيه ترفض قرارات البرلمان المعبره عن ارادة الشعب و تتجاوز عوار دستورى يسمح بتدخل الجيش ضد الحكومات المنتخبه و تتساهل فى المواد التى تضرب المواطنه و الحريات فى مقتل.
* مما سبق اجد ان النظام التركى الحالى تتواجد فيه نواقص عديده تكاد ان تجعله خارج نطاق النظم العلمانيه ، و هو بوضوح أحد اهم اسباب الرفض التام لدول اوروبيه عديده لوجود تركيا بالإتحاد الأوروبى حيث ان نظامها فى طبيعته قمعى و جاهز للإنقلاب العسكرى على الشرعيه المنتخبه فى اى لحظه..و اعود للسؤال نفسه هل تركيا دوله علمانيه؟
أجيب هى علمانيه لكنها ليست علمانيه كامله بل جزئيه ، تتخذ جزء من الفكره العلمانيه و تتطيح بالباقى ، و هنا اجد استفهامً هاماً..لماذا هذا الإنتقاص؟..و لماذا كذلك تطورت علمانية تركيا الى حد وضع العلمانيه فى حالة حرب مع الدين بدلاً من الوضع الطبيعى أن تكون الحرب مع سلطة الإستبداد الدينى؟

تجربة أتاتورك:
لعل أخطر ما يؤذى العلمانيه اليوم بتركيا و يفرغها من مضمونها هو الظرف الذى نشأت فيه العلمانيه بتركيا ، و عبر النقاط التاليه لعلى أزيح بعضً من الظلام المحيط بالمشكله...
-1-لم يظهر النظام التركى العلمانى القومى باراده شعبيه بل بنتاج ظفر مصطفى كمال اتاتورك بالحكم بعد حرب التحرير.
-2- ترتب على هذا ان باتت أفكار أتاتورك و رؤيته للعلمانيه هى محرك توجيه النظام العلمانى الجديد بدلاً من رؤية المفكرين و رجال القانون ، بمعنى آخر كان اتاتورك هو صاحب الرؤيه بمعزل عن القانونيين الأتراك و المفكرين الأتراك مما سمح بثغرات عديده .
-3- اختلطت قرارات اتاتورك بالصيغه العلمانيه التركيه ، فمثلاً مع ثورة النورسيين اتخذ قرارات ضد التدين و عدد المساجد و الصلاه بسبب كون المساجد مهد هذه الثوره و بالتالى كان هذا التصرف بمرور الوقت جزء من الفكر العلمانى التركى على الرغم من كونه تصرف مؤقت بسبب ظرف طارئ و كان من نتائجه ان تسبب فى اعدام عدنان مندريس الذى حاول تخفيف القيود التى فُرضت مع ثورة النورسيين ، و إن كانت المحصله النهائيه ان تم الغاء هذه القيود فيما بعد.
-4- لم تتم عملية تقويم النظام الجديد بسبب عدم وجود نظام داخلى ديموقراطى يسمح بهذا حيث كان تخوف اتاتورك و رفاقه من ديموقراطيه تعيد العهد العثمانى و هذا مازال له آثاره لليوم.
-5- مع وفاة أتاتورك لم يقم رفاقه بتقويم أخطاء التجربه بل تمت مواجهة كل المحاولات بعنف شديد كحالة مندريس ، و لكن جزئياً تمت اعادة حياه ديموقراطيه مشروطه بدءً من العام 1946.
-6- استمر وضع الجيش عبر 4 إنقلابات كعامل مثبط للحياه السياسيه التركيه و عائق امام تقويم اخطاء التجربه الأتاتوركيه .
-7- لم تتخل المحكمه الدستوريه العليا عن مأساة اللجوء للرؤيه الكماليه للعلمانيه على الرغم من انها فى الغالب معاديه للرغبه العامه الشعبيه للشعب التركى.

خاتمه:
فى النهايه لا بد أن اجد نفسى مضطراً لأن اوضح وجهة نظرى...انا أؤمن بالعلمانيه الجزئيه أى اتخاذ خطوات علمانيه فى امور محدده تكون فيها منفصله عن الدين بل و كل ما يتعلق بها بخلاف صفة المواطنه او ما يؤثر فى حيدتها و تجردها..أؤمن بضرورة كون العمليه و الممارسه السياسيه علمانيه و أعتبر أستاذً لى فى هذا هو الراحل الكبير د/عبد الوهاب المسيرى الذى لم يفصل بين الدستور و الدين أو القانون و الدين بل فصل بين الممارسه السياسيه و العمليه الساياسيه من جانب و لدين من جانب آخر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق