السبت، 14 فبراير 2009

موقف ردئ لسعد زغلول


قرأت للمره الأولى كتاب ( الإسلام و أصول الحكم ) لكاتبه فضيلة الشيخ المرحوم ( على عبد الرازق ) و العجب العجاب أراه و أعبر عنه الآن ، إذ أن الكثير من الهجوم فى رأيى يبدو منطقياً من الأزهر وقتها و من العلماء وقتها و فى ظروفها ، أما أن يكون الهجوم ممن جعل ما كتب الشيخ المرحوم دستوراً فهذا مريب و ردئ..و التالى يبين مقالى و رأيى الخاص و إجتهادى فى تفسير ما حدث.

الحدث :
-------------------
فى العام 1924 أقام مصطفى كمال اتاتورك فى تركيا دوله جديده أقامها على ثلاث أُسس الأول هو القوميه التركيه التى تعنى الغاء أى إرتباط للدوله بأى بقعه أخرى جغرافياً ، فالخلافه العثمانيه إنتهت و عاد الأمر كما كان..تركيا فقط ، الثانى هو العلمانيه الكامله أى الحداثه بمعنى أن النظام ليس علمانياً كاملاً سياسياً و إقتصادياً بل و إجتماعياً أيضاً منهياً الإرتباط الدينى لنظام الحكم بإعتبار الخليفه يحكم بإسم الله و بإرادته(مع ملاحظة أن المقصود بالإراده انها من الله جلَّ جلاله و بالتالى العزل منه فقط؟؟؟؟!!!) و تحيل الأمر لنظام به التوليه و العزل من الناس و بهم( مع مرلاحظة أن هذا لم يحدث فى حياته و ظل معطلاً حتى بدايات محدوده عام 1946) ، الثالث هو الغاء الثقافه الشرقيه – الإسلاميه التى صبغت الدوله الإسلاميه و تحويلها الى الثقافه الغربيه- الأوروبيه التى كانت و لا تزال تمثل قمة الرقى العلمى و الأدبى و تمثل كذلك النهوض البشرى بكل مزاياه و عيوبه(جدير بالذكر أن أتاتورك تجاهل أهم ما فى النظام الغربى من مزايا و هو الديموقراطيه جاعلاً العلم و الفكر هما الهدف و الدوله الحديثه معهما خوفاً من ديموقراطيه تأتى بالخلافه و هذا فى إجتهادى أمر منكر و غريب عن الدوله الحديثه).
مع ذلك الواقع الجلل كانت الفكره التى سيطرت على الكثيرين من علماء الدين و المفكرين الإسلاميين هى أن الخلافه لا بد من ان تعود مما شجع بعض الحكام و منهم الملك فؤاد فى مصر على تبنى الفكره حتى يحوز لقب و سلطة الخليفه(لاحظوا ان الغرض هو الملك بإسم الدين و هذه الآفه التى لا تريد الإنتهاء..الملك بإسم الدين) و مع هذا الجانب من علماء مقتنعين و آخرين مواليين للملك ظهر الكتاب المذكور كالقنبله واضعاً أُسس جديده للحكم مستلهماً مدنية الدوله و التوليه على النحو الذى أفصله .

الكتاب و ملخصه :
-------------------------
كان الكتاب له أُسس إجتهاديه من مؤلفه كالتالى:
-1- الإسلام لم يحدد الخلافه كنظام إجبارى للمسلمين و بالتالى ليس علينا إعادتها بل علينا بدء نظم عصريه تأتى من الشعب و تزول منه أى نظم مدنيه يُلى فيها الحاكم من الناس و يعزلوه فهم مصدر السلطه و مصدر الإنهاء أيضاً .
-2-الحكم من الناس و بالتالى مسألة الطابع الدينى للحاكم غير سليمه فالحكم و السياسه مدنيه و بالتالى لا مجال لفكرة الحكم بالإراده الإلهيه .

-3- الدوله المسلمه هى الدوله المدنيه لا الدينيه بمعنى مرجعيتها البشريه فى التنظيم و الإداره و الحكم دون وجود أى أمور محدده سلفاً و مجبرٌ عليها جمع المسلمين.

-4- الرسول كان فى وضعه الحقيقى رسولاً لا ملكاً أى أن أعماله كلها بصفته الدينيه كرسول مبشر و لم يكن ملكاً أو حاكماً( و المقصود هنا هو فى رأيه تأكيد على الطابع المدنى للحكم و أن الحاكم ذو صفه مدنيه لا دينيه) و بالتالى من تتالوا على الحكم من بعده مدنيين لا دينيين و لم يكونوا حكاماً دينيين بقوله ( الخلافه لأبى بكر و عمر و عثمان و علىّ كانت لا دينيه؛ مدنيه).

-5- الإسلام رساله فكريه روحيه دينيه مدنيه فهى تترك تنظيم الوضع الداخلى و الخارجى للبشر مدنياص بما يوافق توجهاتهم و ظروفهم الدنيويه حسب عقولهم و ميولهم و شهواتهم(الشهوه بمعنى الرغبات و الميول و الحاجات لا بمعنى سئ).

· أذكر هنا إتفاقى معه كليةً فيما سبق بإستثناء الجزء الأول منه النقطه 2 فيما يتعلق بالرسول.


ردود الفعل:
------------------
كانت ردود الفعل متنوعه حسب الأهواء تاره و الأوامر تاره و حسب الميول و الإتجاهات الفكريه تاره أخرى على النحوالتالى :

-1-الوفد: كان موقف مثقفى الوفد واضحاً فى دعم حرية الرأى مورثين لنا نموذجاً رائعاً(لم يشوهه إلا سعد زغلول بموقفه) من دعم الرأى الحر و الرأى النابع من الفرد كحريه أساسيه فى الدوله المدنيه الحديثه و إتفاقاً مكع رأى الشيخ الجليل عن الدوله المدنيه و طبيعة الحكم المدنى إتفاقاص كاملاً على الرغم من كون الشيخ على عبد الرازق من أنصار و مؤيدى حزب الأحرار الدستوريين المعادين بشده للوفد بل و تطور الأمر فيما بعد للإتحاد بين الوفد و الأحرار الدستوريين فى إجتماع الكونتيننتال 1925 و تبنى موقف موحد من وزارة زيوار الغير شرعيه ، كان هذا موقف الوفد حقيقةً من المثقفين و القيادات من البدايه للنهايه(إلا سعد زغلول لحسابات سياسيه).

-2- الأحرار الدستوريين: بطبيعة الحال كان الحزب مدافعاً عن الشيخ و الكتاب بسبب إحترام الحزب لتراث الليبراليه الذى يقدسونه(وكذلك أنا) و يدفعهم لإحترام كل رأى و إتجاه فكرى أياً كان(بإستثناء التكفير و إهدار الدم) و كذلك إتفاقاً مع الششيخ الجليل فى الرأى عن الدوله المدنيه الحديثه و مدنية الحكم لا دينيته مشتركين مع الوفد فى ذلك الدافع و بالإضافه لذلك كان لديهم دافع الدفاع عن أحد مؤيدين الحزب و المدافعين عنه بل و أعضائه لو صدقتنا الرؤيه.

-3-المفكرين الليبراليين:كان كل المفكرين الليبراليين مع الشيخ إتفاقاً فى الرأى و دفاعاً عن حرية التعبير.

-4- الحكومه: كانت الحكومه حكومة أقليه بها عنصران أساسيان ؛ حزب الوحده المعبر عن الملك فؤاد و حزب الأحرار الدستوريين(لا ينفى موقفه سوء تقديره للأمور بكونه شريك فى جريمة حكم بلا شرعيه) و مع وقوف الحكومه ضد الكتاب (المقصود الموقف الرسمى لها و هو موقف حزب الوحده) كان المقصود طبعاً هو تنفيذ تعليمات الملك فؤاد بالتنكيل بالشيخ لأنه يهدد عودة الخلافه على يديه لكى يحوز مزيد من السلطه و القوه و التثبيت ، أدى ذلك لشقاق عنيف تجسد بعد فصل الشيخ من جبهة و زمرة العلماء بالأزهر مما دفع فهمى باشا للإحتجاج ثم فصله من الوزاره فإستقال حزبه بالكامل مما أدى لسقوط الوزاره(مع ملاحظة أن الأحرار أصلاً وفديين إختلفوا مع سعد باشا زغلول بعد العوده من الخارج من باريس)و تكوين وزارة أقليه جديده هى وزارة زيوار ، ما يهمنى هنا هم موقف الحكومه الرسمى الذى نكل بالذى تجرأ و رفض الخلافه لفؤاد مما يهدد المكاسب السياسيه القادمه.

-5- الأزهر: فى تلك السنوات و مع سقوط ما تبقى من ما كان إسمه الخلافه العثمانيه كان للكتاب صدى هائل عند علماء الأزهر و عن كانوا قسمين؛ قسم هاجم بشده طمعاً فى رضا السلطان و عطاياه و هو قسم قليل كان متكسباً(و بالمناسبه لا زال موجود الى لحظة كتاب السطور)وقسم آخر هو الأكبر كان مؤمناً بالخلافه الكبرى وجد فيما تمت كتابته نيل من جهود عودتها للوجود مما يشكل إساءه و خطر على الدين فكان موقفهم ، و فى النهايه أن تم فصله من الأزهر و سحب العالميه و طرده من زمرة العلماء(تمت عودته ثانيةً للأزهرفى عهد فاروق و إعادة ما سُحب منه إعترافاًبالخطأ الذى وقعوا فيه جميعاً).

-6-الإنجليز:المنطقى هو أن يكون الإنجليز معه و لكن المضحك(و هذا درس فى السياسه) أن الإنجليز كانوا صامتين راضين أن يكون(حديث) الخلافه موجود بالبلاد لصالح فؤاد دعماً له ضد الوفد و ضد الحركه الوطنيه ، أى أنهم كانوا بوضوح من أنصار أن تكون أحدايث الخلافه لفؤاد ربيبهم الذى ولوه بوضوح الحكم راضين عنه و إن صار هو الخليفه فيا حبذا فلن يكون إلا مطين تركب الدين لإدخال المسلمين لحظيرة الخرس على الإحتلال بإسم الدين فى مصر و كل انحاء الخلافه.
-7-سعد زغلول: هنا أجد موضوع المقال و هو كارثة ما قال سعد زغلول و لو كان هذا رأيه لما إهتممت و لقلت أن هذا الرأى يجب إحترامه إتتباعاً للمبدأ العام و إن إختلفنا معه ، لكن الكارثه ان الرأى كان كذب فى كذب ، قال سعد زغلول(الذى أحترمه و أقول به كزعيم حقيقى للأمه و أجعل حزبه هو المستقبل إن صحح مساره و أعتبره مؤسس السياسه الحديثه بمصر و أعلن نفسى من محبيه و جاعليه نموذج لليبراليه مع إعتبارى له بشراً له سهوات و سقطات و مآخذ كغيره)قال أن الكاتب أساء و طعن فى الإسلام لأنه جعله غير مدنى و كذلك قال بأنه لا يصلح للأمور المدنيه و أبدى إندهاشه من كتابة الكاتب عن الزكاه(لاحظوا اللفظ الذكى المناور) و قال بأنه يرى فيه طعناً فى الدين أكثر من المستشرقين أنفسهم و ذكر بأن الأزهر على حق فيما فعل من فصله .
هنا أضحك و الله فلو كان مصطفى كامل حياً و قال هذا لتفهمت الأمر لكون الأخير من زعماء الحركه الوطنيه التى تناهض الإحتلال و تؤمن بكون مصر ولايه عثمانيه لكن أن يقول سعد زغلول ذلك فهو عجيب و تلك الأسباب:
-1- رفض الشيخ الخلافه كنظام لا يتفق مع الدوله و العصر و كذلك سعد زغلول الذى نادى بمصر مستقله و حديثه و مدنيه لا دينيه و تُحكم بالشعب و يعزل الشعب حكامها أى الدوله المدنيه و هو ما هاجمه فى قول الشيخ الراحل و كتابه.

-2- قال سعد زغلول أن الشيخ قال بأن الإسلام ليس مدنى و هو قول مؤسف فأول ما قاله الشيخ أن الإسلام دين مدنى جعل الدوله مدنيه فى الحكم و التنظيم و الإداره و ليست دينيه و ان الحاكم مدنى و ليس دينى.

-3- قال سعد زغلول بذكاء(لا أعرف كيف يتكلم أزهرى بهذا عن الزكاه الم يتعلم شئ بالأزهر؟)و هو قول يهيئ لمن يقرأ أن الشيخ نفى كون الزكاه من الدين فى حين أن ال20 سطر قالوا بأن المرتدين عن الإسلام كانوا شقين خلطوا معاً بغير حق شق إرتد و بعضهم إدعى النبوه و شق آخر كان مسلماً لكن رفض بيعة أبى بكر و هم كذلك سموهم بالمرتدين لرفضهم إعطاء الزكاه لأبى بكر لكونهم لا يقروا خلافته و بالتالى كان من الظلم إعتبارهم مرتدين كغيرهم و ضرب نموذج خالد بن نويره الذى قال لخالد بن الوليد أنه مسلم لكن لا يؤدى الزكاه لأبى بكر لعدم إيمانه بتوليته فقتله خالد مما أثار غضب الفاروق بن الخطاب بشده و قال لأبى بكر أن يقتل خالد لقتله (مسلم) و رفض أبى بكر معتبراً(و عنده حق) ان هذا إجتهاد خاطئ من بن الوليد لا ينهى أو ينفى فضله و جهاده أى أنه قدم الدليل على صدق ما قاله و نموذج سنى و ليس شيعى و بالتالى تعمد سعد زغلول قول ذلك للإيحاء بأن الشيخ يرفض الزكاه!!!
السبب فيما قال سعد زغلول هو النكايه فى حزب الأحرار الذى منه الشيخ الجليل إنقتاماً من إشتراكه فى حكومة أقليه إنتزعت الحكم بغير حق من الوفد و كحلقه أخرى من الخصومه بين الوفد و خصمه اللدود الأحرارالدستوريين لاأكثر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق